اخبار

كيف تعمل منصة تكنولوجيا التعليم “أبواب” على تمكين 160 مليون طالب مع تمويل بلغ 27.8 مليون دولار؟

كيف تعمل منصة تكنولوجيا التعليم “أبواب” على تمكين 160 مليون طالب مع تمويل بلغ 27.8 مليون دولار؟

في سبتمبر/ أيلول 2019، قبل 6 أشهر فقط على تفشي الجائحة في منطقة الشرق الأوسط، أطلق رواد الأعمال حمدي الطباع وصبري حكيم وحسين السرابي، منصة أبواب في وطنهم الأردن، لتُغير مفهوم الدروس خارج المدرسة، من خلال توفير منصة للتعلم وحل وطرح الأسئلة والتنافس، مع القدرة على متابعة تقدم الطلاب وأدائهم. وقد كان توقيت الإطلاق صائبًا، إذ لم يتوقع أحد حينها التحديات التي ستفرضها الجائحة على 160 مليون طالب على مقاعد الدراسة في جميع أنحاء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وباكستان، مما خلق حاجة ملحة لحلول مبتكرة لدعم التعليم والدراسة عن بعد.

جولات تمويلية

حققت الشركة أول جولة تمويلية في مارس/ آذار 2020، للمرحلة ما قبل الأولية بقيمة 2.4 مليون دولار، بقيادة مجموعة مستثمرين مثل (Adam Tech Ventures) و(Endure Capital) و(Equitrust) وصندوق الاستثمار في الشركات الناشئة الابتكارية التابع للبنك الدولي (ISSF) بالإضافة لعدد من التنفيذيين السابقين والحاليين في أوبر ونتفليكس. ثم في عام 2021، حصلت أبواب على 5.1 مليون دولار في جولة تمويلية أولية، تلتها 20 مليون دولار من جولة تمويل من الفئة (A) ليصل إجمالي تمويلها إلى 27.8 مليون دولار.

بالإضافة إلى جذبها للمستثمرين، تعد المنصة أيضًا من بين المنصات المفضلة لدى الطلاب؛ إذ تصدر تطبيق “أبواب” متجر التطبيقات (Play Store) عبر الفئات جميعها في الأردن، في أكتوبر/ تشرين الأول 2022، كما تجاوز تطبيقي “سناب شات” و”تيك توك” لمدة أسبوع. وفي مصر، احتل “أبواب” المركز الأول ضمن فئة التعليم لـ4 أسابيع متتالية، وفقًا للمؤسسين.

تمكين الطلاب

في حين أظهرت الجائحة عدد الأطفال في المناطق الريفية، ممن لا يستطيعون الوصول إلى أجهزة الكمبيوتر أو الإنترنت عالي السرعة، مما يعرضهم لخطر التخلف عن متابعة دروسهم أكثر ممن لديهم وصول رقمي، وفقًا للبنك الدولي. ونظرًا إلى أن الطلاب هم محور التركيز الرئيسي لأبواب، وضع المؤسسون ذلك في عين الاعتبار، وأطلقت أبواب مبادرة تكافؤ فرص الوصول إلى التعليم (EquAL) في مايو/ أيار 2022، الهادفة إلى تزويد مليون طفل مستضعف في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وباكستان، بتعليم عالي الجودة حتى عام 2025.

ومن خلال الشراكات الاستراتيجية مع مختلف المؤسسات، بما في ذلك مؤسسة أطفال الحرب (Children of War Foundation) والجهات المانحة والقطاع الخاص، تعمل أبواب على تسهيل الوصول إلى منصتها الإلكترونية، من خلال توفير الأجهزة اللوحية وحزم البيانات. ويكشف المؤسسون أن هناك تحسنًا ملحوظًا وفعليًا بنسبة %35 في أداء الطلاب الأكاديمي.

التنافس في سوق الشركات الناشئة

فيما كان لدى رواد الأعمال الثلاثة، العاملين وراء الكواليس، خبرة ممتدة لأعوام في مجال الشركات الناشئة شديد التنافس قبل إطلاقهم مشروعهم الخاص. حيث تولى حكيم منصب مدير عام سابق في شركة “كريم” عن منطقة بلاد الشام، بينما عمل السرابي رئيسًا للتكنولوجيا وتطوير المنتجات في شركة “موضوع”. أما الطباع، فشغل منصب مدير عام سابق في “أوبر” عن منطقة دول الخليج العربي وبلاد الشام.

يتذكر حكيم والطباع التنافس “وجهاً لوجه” لنحو 5 أعوام، من عام 2015 إلى نهاية عام 2019. ويوضح الطباع، المؤسس الشريك والرئيس التنفيذي لمنصة أبواب: “كلانا كان يعرف الآخر، وقد توطدت علاقتنا من خلال هذه المنافسة الشرسة”.

في عام 2018، أسس الطباع جمعية الريادة والإبداع الأردنية “جِيا” جنبًا إلى جنب مع مجموعة من رواد الأعمال الأردنيين، لتعمل كحلقة وصل بين المواهب الأردنية ودعمها. وتعرف الطباع لأول مرة على السرابي من خلال مؤسس منصة موضوع، في إحدى اجتماعات الجمعية. يتذكر الطباع: “قال لي مؤسس موضوع: “عملت على إدارة أوبر لمدة 4 إلى 5 أعوام، وحققت منجزات رائعة، فما هي خطوتك الكبيرة التالية؟” أخبرته أنني فكرت مليًا بالتوجه إلى مجال التعليم، نظرًا لما يمكن أن يحدثه من تأثير في المجتمع، لكنني لن أخطو خطوة واحدة قبل العثور على الشريك المناسب، حيث لم يكن لدي الخبرة التقنية في هذا المجال. فأخبرني حينها أن لديه الرجل المثالي للمهمة”.

إلى جانب العمل مع موضوع، كان السرابي، ​​المؤسس الشريك والرئيس التقني لمنصة أبواب، الذي يتمتع بخبرة تمتد إلى 10 أعوام، قد أسس بالفعل الشركة الناشئة (Instructit) في مجال تكنولوجيا التعليم، التي حصلت على التمويل من شركة (Adam Tech) ذراع رأس المال الاستثماري في موضوع. يوضح: “لطالما كان لدي اهتمام كبير في مجال التعليم. ولدي خبرة في التدريب والتدريس وتطوير فئات من المتعلمين في مجالات مختلفة. وقبل إطلاق أبواب، عملت على تطوير شركتي الناشئة لتكنولوجيا التعليم، وهي خدمة ذات علامة بيضاء توفر للمدربين والمعلمين، القدرة على إنشاء مواقعهم ودوراتهم التعليمية الخاصة عبر الإنترنت”.

كان السرابي على مفترق طرق في مسيرته المهنية، حين تعرّف على الطباع لأول مرة، وكان يفكر في خطوته التالية عبر مجال تكنولوجيا التعليم، لذا قرر المجازفة. أسس الثنائي المنصة في سبتمبر/ أيلول 2019. أما حكيم، المؤسس الشريك ورئيس العمليات لمنصة أبواب، الذي توطدت علاقته بالطباع بشكل تدريجي مع عملهما في سوق النقل التشاركي بالمنطقة، فكان يعمل لدى “كريم” في ذلك الوقت، لكنه عمل عن كثب مع الفريق كمستشار حتى انضم إليهما بشكل كامل في صيف 2020.

التوسع في قطاع تكنولوجيا التعليم

وجه المؤسسون أنظارهم إلى قطاع تكنولوجيا التعليم الإقليمي، حيث تعمل آلاف المنصات بالفعل عبر العديد من المجالات المختلفة. وقرروا التركيز على سوق الدروس خارج صفوف الدراسة، البالغة قيمتها 20 مليار دولار. وإدراكًا منهم للفجوة التي تعاني منها المنطقة فيما يتعلق بالمحتوى المخصص من قبل المستخدمين، حرصوا على تقديم مفهومهم الأكاديمي بشكل صحيح.

يقول الطباع: “أدركنا أننا إذا أردنا بناء شركة ناشئة متميزة في مجال تكنولوجيا التعليم، فنحن بحاجة إلى تطوير خدمة موثوقة يمكن للطلاب الاعتماد عليها”. بذلك، استعانوا بخبراتهم في الشركات الناشئة التي عملوا عليها سابقًا لإنشاء أبواب، وكان أول منتج لهم قائم على النص البرمجي والتكنولوجيا التي طورها السرابي، في مشروعه الناشئ الأول.

في أول 5 أشهر، ركز المؤسسون على تصميم الحد الأدنى من المنتجات القابلة للتطبيق (MVP) والعمل عن كثب مع الطلاب وأولياء الأمور لبناء منتج ومحتوى النظام الأساسي. وقد بدؤوا في الأردن، مع التركيز على المناهج الوطنية حتى المرحلة الثانوية ضمن مراحل (K-12) وتوفير دروس عالية الجودة في الرياضيات والعلوم، والاستعانة بمنشئي المحتوى والمعلمين والمساعدين. كما عملوا على تقسيم الدروس إلى أجزاء قائمة على المفاهيم، يتم شرح كل منها في مقاطع فيديو مدتها 6 أو 8 دقائق. بذلك، أطلق أول منتج لأبواب في الأردن في الثاني من فبراير/ شباط 2020.

تحديات الجائحة

لكن مع انتشار الجائحة في الشرق الأوسط، تغير كل شيء. ففي 13 مارس/ آذار 2020، عشية زفاف السرابي، أعلن الأردن أنه على وشك الدخول في حالة إغلاق كامل. وسرعان ما أدرك المؤسسون أن البرامج التعليمية المتاحة على الإنترنت لا تكفي لاستيعاب التعليم الإلكتروني الذي ستحتاجه الدولة على نطاق واسع. وفي اليوم التالي، زار الطباع وزير التربية والتعليم في المملكة لعرض منتج أبواب. يتذكر الطباع: “قال لنا، اليوم السبت، والاثنين سنغلق المدارس. لذا عليكم توفير خدمة عاملة بحلول ذلك الوقت للتعويض عن إغلاق المدارس”.

بعد يومين فقط، فُرض الإغلاق. وأسست أبواب منصة للحكومة بالتعاون مع مجموعة من الشركات الناشئة الأخرى، بما في ذلك إدراك، وموضوع، وجو أكاديمي. كما عملوا سريعًا على توسيع نطاق عمليات المحتوى الخاصة بهم، وتوظيف فريق، وتنفيذ الخطة الموضوعة لـ3 أشهر تالية. بينما ظل الفريق بأكمله مقيمًا في غرف فندقية إلى جوار المكتب طوال فترة البرنامج.

عادت أبواب إلى برنامجها الأصلي في صيف عام 2020، وهو منتج قائم على الاشتراك مباشرة للمستهلك (B2C) يقدم تجربة محلية عالية الجودة تتوافق مع المناهج الوطنية لكل دولة. يقول الطباع: “إنه نموذج بسيط للغاية، حيث لا نريد إثقال كاهل الطلاب بالكثير من الخيارات. هذه فلسفتنا”. ويوضح: “تتمثل رؤية منتجنا طويلة المدى في الحفاظ على الصدارة، عبر بناء نظام أساسي للتعليم باستخدام التعلم الآلي والذكاء الصناعي، لتوفير تجربة تعليمية مخصصة لكل طالب، بناء على قدرته على التعلم والسرعة التي تناسبه”.

التبني الرقمي في المنطقة

في ذلك الوقت، كانت المنطقة لا تزال تتقدم بخطوات بطيئة لكن ثابتة نحو التبني الرقمي. ومن جانبه، يقول محمد السنباطي، المؤسس والرئيس التنفيذي لمنصة تكنولوجيا التعليم المصرية (Educatly): “تتمتع منطقتنا بمستقبل مشرق لتكنولوجيا التعليم. يمكنك القول بسهولة أن التحول الرقمي سيشكل مستقبل التعليم، وهو أمر يدرك أهميته المستثمرون في القطاع العالمي. مع ذلك، لا تزال المنطقة بحاجة إلى المزيد من التقدم فيما يتعلق بالرقمنة، وهذا في حد ذاته يمثل تحديات هائلة للقطاع بأكمله”.

لكنه يستدرك بقوله: “الأمر الجيد هو أن هناك مستوى عاليًا من الوعي بركود المنظومة التعليمية الحالية على المستوى العالمي. ونرى الكثير من الفرص تنشأ مع التطور الإيجابي للشركات الناشئة، وريادة المشاريع في قطاع التعليم بالمنطقة”.

ولتسهيل عملية الدفع في جميع أنحاء المنطقة التي تعاني من فجوة في توفير الخدمات البنكية الرقمية، أقامت أبواب شراكات مع العديد من مزودي الدفع المحليين، بما في ذلك “فوري” و”فودافون كاش” في مصر، و(JazzCash) في باكستان و(Zain Cash) في العراق و(MadaPay) في المملكة العربية السعودية. ورغم ذلك لا تزال المنصة تواجه بعض التحديات المتعلقة بالمدفوعات.

يوضح الطباع: “رغم عدد الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا المالية، والجهود المبذولة لتوفير أنظمة الدفع عبر المحافظ الرقمية، إلا أنها لا تكفي لتمكين الشركات الناشئة مثلنا للعمل من خلال المدفوعات الإلكترونية فقط”. وبناء على ذلك، تحاول أبواب أيضًا التعاون مع قنوات أخرى لتوفير المدفوعات غير الرقمية. يضيف الشريك المؤسس: “نحاول أن نكون محليين قدر الإمكان مع جعل عمليات الدفع سلسة للطلاب قدر المستطاع”.

فيما لا يزال الطريق طويلاً أمام قطاع تكنولوجيا التعليم، للوصول إلى مرحلة الإشباع في المنطقة، وفقًا لمحمد السنباطي، إذ يقول: “أعتقد أننا لم نتجاوز بعد السطح الخارجي لرسملة سوق تكنولوجيا التعليم هنا. ومع تبني التكنولوجيا على نطاق واسع، لا سيما بعد كورونا، سنشهد بالتأكيد تغييرًا جذريًا في المنظومة التعليمية على مستوى العالم في المستقبل القريب”.

وللمقارنة، يشير السنباطي إلى أنه على المستوى العالمي، تعد أحد أقرب الأسواق من حيث القيمة السوقية لسوق التعليم البالغة 5 تريليون دولار، هو سوق الرعاية الصحية التي تبلغ قيمتها 6 تريليون دولار. مع ذلك، فإن رسملة الشركات في مجال الرعاية الصحية تبلغ حوالي 10 تريليون دولار، بينما يحظى التعليم بنحو 200 مليار دولار فقط على مستوى العالم.

توسع أبواب

منذ تأسيسها في الأردن قبل أقل من 3 أعوام، توسعت أبواب في مصر والعراق، ومؤخراً في المملكة العربية السعودية. كما اتخذت خطواتها الأولى في السوق الآسيوية الأوسع، من خلال الاستحواذ على شركة (Ed-Matrix) وهي منصة تعليمية إلكترونية باكستانية، في يوليو/ تموز 2021، مقابل مبلغ لم يكشف عنه. ووفقًا للمؤسسين، تلقت أبواب أيضًا عددًا من عروض الشراكات للعمل في جنوب شرق آسيا، لكنهم يركزون اليوم على تغطية منطقتهم أولاً.

أما ما يتعلق بالمستقبل، فيظل المؤسسون ملتزمين بتوفير تجربة التعلم والدروس خارج الصف مباشرة للطلاب، حيث يعتقدون أنها سوق مربحة. مع ذلك، فهم منفتحون للعمل على المزيد من البرامج التعليمية الحكومية إذا سنحت لهم الفرصة. يقول الطباع: “نحن على استعداد للعمل مع بعض الحكومات، إذا كانت منفتحة وتقدمية بما يكفي للتعاون مع شركة ناشئة في مجال تكنولوجيا التعليم”.

ورغم النجاح الذي شهدته أبواب حتى الآن، إلا أن مؤسسيها لم يحققوا رؤيتهم حتى الآن. لكن مع كل إنجاز يحققونه، يرون أنهم يسيرون في الطريق الصحيحة، وكأن “النجوم تصطف” أمامهم، وهي عبارة يستخدمها حكيم كثيرًا.

يقول حكيم: “لا أحد يغير التعليم بين عشية وضحاها، فهو من أقدم المنظومات الأساسية في عالمنا. بل يستغرق الأمر عقودًا لإحداث التغيير الذي شرعنا في تحقيقه”.

الوسوم

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى